خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي: كيف تتحكّم في المحتوى الذي نراه؟
في كل لحظة تفتح فيها هاتفك وتتصفح فيسبوك، إنستغرام، تيك توك أو أي منصة تواصل اجتماعي أخرى، هناك عقل خفي يعمل خلف الكواليس. عقل لا ينام ولا يستريح، يراقب كل نقرة، كل توقف، كل تمرير سريع لإصبعك على الشاشة. هذا العقل ليس بشريًا، بل هو مجموعة معقدة من الخوارزميات والأكواد البرمجية التي أصبحت تتحكم في جزء كبير من حياتنا اليومية دون أن ندرك ذلك.
عندما تستيقظ صباحًا وتفتح إنستغرام، لماذا ترى منشورات أصدقاء معينين دون غيرهم؟ لماذا تظهر لك إعلانات عن منتجات فكرت في شرائها بالأمس؟ لماذا تجد نفسك منجذبًا لمشاهدة فيديو تلو الآخر على تيك توك حتى تمضي ساعات دون أن تشعر؟ الإجابة على كل هذه الأسئلة تكمن في فهم كيفية عمل خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي، وهو موضوع أصبح من الضروري أن يفهمه كل مستخدم للإنترنت في عصرنا الحالي.
لم تعد خوارزميات التواصل الاجتماعي مجرد أدوات تقنية بسيطة تنظم المحتوى، بل تحولت إلى قوى مؤثرة تشكل آراءنا، تؤثر على قراراتنا، وتحدد ما نعرفه وما نجهله عن العالم من حولنا. في هذا المقال الشامل، سنغوص عميقًا في عالم هذه الخوارزميات، سنفهم كيف تعمل، لماذا صُممت بهذه الطريقة، وكيف يمكننا أن نستعيد بعض السيطرة على تجربتنا الرقمية.
ما هي الخوارزميات بالضبط؟
قبل أن نتعمق في تفاصيل خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي، يجب أن نفهم أولًا المفهوم الأساسي للخوارزمية نفسها. الخوارزمية في أبسط تعريفاتها هي مجموعة من التعليمات المنظمة التي تؤدي مهمة محددة أو تحل مشكلة معينة. يمكن تشبيهها بوصفة طبخ تحتوي على خطوات متسلسلة يجب اتباعها للحصول على نتيجة محددة.
في عالم التكنولوجيا والبرمجة، الخوارزميات هي الأساس الذي تبنى عليه جميع البرامج والتطبيقات. عندما تبحث عن شيء على جوجل، هناك خوارزمية تحلل استفسارك وتعرض لك أفضل النتائج. عندما تطلب سيارة أوبر، هناك خوارزمية تحسب أقرب سائق وأفضل طريق. وعندما تتصفح فيسبوك، هناك خوارزمية تقرر أي المنشورات تظهر لك أولًا.
لكن خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي ليست بسيطة كوصفة الطبخ. إنها أنظمة شديدة التعقيد تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، مما يعني أنها تتعلم وتتطور باستمرار بناءً على سلوك المستخدمين. كلما استخدمت المنصة أكثر، كلما أصبحت الخوارزمية أكثر ذكاءً في فهم تفضيلاتك وتوقع ما تريد رؤيته.
تعمل هذه الخوارزميات من خلال تحليل كميات هائلة من البيانات في أجزاء من الثانية. عندما تفتح فيسبوك، على سبيل المثال، قد يكون هناك آلاف المنشورات المحتملة التي يمكن عرضها لك من أصدقائك والصفحات التي تتابعها. مهمة الخوارزمية هي فرز كل هذا المحتوى وترتيبه بطريقة تعتقد أنها ستجعلك تبقى على المنصة لأطول فترة ممكنة.
تاريخ موجز لخوارزميات التواصل الاجتماعي
لم تكن مواقع التواصل الاجتماعي دائمًا تعتمد على خوارزميات معقدة لعرض المحتوى. في الأيام الأولى لـفيسبوك وتويتر، كان المحتوى يعرض بترتيب زمني بسيط، حيث تظهر أحدث المنشورات أولًا. كانت التجربة أبسط وأكثر شفافية، لكنها كانت أيضًا أقل تخصيصًا وربما أقل إثارة للاهتمام للمستخدمين.
بدأت فيسبوك في تقديم خوارزمية الخلاصة الإخبارية الخاصة بها في عام 2006، والتي كانت تسمى في البداية بـ News Feed. كانت هذه خطوة ثورية في عالم التواصل الاجتماعي، حيث قررت الشركة أن تختار نيابة عن المستخدمين ما يجب أن يروه بناءً على ما اعتقدت أنه سيكون أكثر صلة وأهمية لهم.
في البداية، كانت ردود الفعل متباينة. اعتبر بعض المستخدمين أن هذا تدخل غير مرغوب فيه في تجربتهم، بينما وجد آخرون أن الخوارزمية تساعدهم في اكتشاف محتوى أكثر صلة بهم. مع مرور الوقت، أصبحت الخوارزميات أكثر تطورًا، وأصبح من الصعب، إن لم يكن مستحيلًا، رؤية كل المحتوى من الأشخاص والصفحات التي تتابعها.
في عام 2009، قدمت فيسبوك ما أسمته EdgeRank، وهو النظام الذي كان يحدد ترتيب المنشورات في الخلاصة. كان يعتمد على ثلاثة عوامل رئيسية: العلاقة بين المستخدم ومصدر المحتوى، نوع المحتوى نفسه، وحداثة المنشور. مع الوقت، تطور هذا النظام ليشمل آلاف العوامل المختلفة.
تويتر ظل متمسكًا بالترتيب الزمني لفترة أطول، لكنه في النهاية استسلم للضغوط التنافسية وقدم خوارزمية خاصة به في عام 2016. هذا القرار أثار جدلًا واسعًا بين المستخدمين، حيث كان الكثيرون يفضلون البساطة الأصلية للترتيب الزمني.
أما تيك توك، الذي انفجر شعبيته في السنوات الأخيرة، فقد بني منذ البداية على خوارزمية قوية للغاية. صفحة For You في تيك توك تعتبر من أكثر الخوارزميات تطورًا وإدمانًا، حيث تستطيع أن تفهم تفضيلات المستخدم بسرعة مذهلة وتقدم له محتوى مخصص بشكل استثنائي.
كيف تعمل خوارزميات التواصل الاجتماعي؟
لفهم كيفية عمل خوارزميات التواصل الاجتماعي، يجب أن ننظر إلى العملية من عدة زوايا. في جوهرها، هذه الخوارزميات تحاول الإجابة على سؤال واحد بسيط لكن عميق: ما الذي سيجعل هذا المستخدم يقضي المزيد من الوقت على المنصة؟
- تبدأ العملية بـجمع البيانات. كل تفاعل تقوم به على منصة التواصل الاجتماعي يتم تسجيله وتحليله. عندما تضغط على زر الإعجاب، تعلق على منشور، تشارك محتوى، أو حتى عندما تتوقف لبضع ثوان لقراءة منشور دون التفاعل معه، كل هذا يتم رصده وإضافته إلى ملفك الشخصي الخوارزمي.
- المرحلة الثانية هي التحليل. الخوارزميات تستخدم تقنيات التعلم الآلي لفهم الأنماط في سلوكك. إذا لاحظت أنك تتفاعل كثيرًا مع محتوى معين، سواء كان ذلك فيديوهات طبخ، أخبار رياضية، أو صور حيوانات أليفة، ستبدأ في عرض المزيد من هذا النوع من المحتوى لك.
- لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد. الخوارزميات أيضًا تحلل السياق الاجتماعي. من الذي يتفاعل مع نفس المحتوى الذي تتفاعل معه؟ ما هي الصفحات والحسابات التي يتابعها أصدقاؤك؟ هل هناك موضوعات شائعة حاليًا في منطقتك الجغرافية؟ كل هذه العوامل تدخل في الحساب.
- عامل مهم آخر هو التوقيت. الخوارزميات تدرس متى تكون أكثر نشاطًا على المنصة، وتحاول عرض المحتوى الأكثر جذبًا في هذه الأوقات لضمان تفاعلك. إذا كنت عادة تتصفح فيسبوك في الساعة الثامنة مساءً، فستحاول الخوارزمية حفظ المحتوى الأكثر إثارة للاهتمام لهذا الوقت.
- نوع المحتوى نفسه يلعب دورًا كبيرًا. الفيديوهات عادة تحظى بأولوية أعلى من النصوص العادية، لأن البيانات تظهر أن المستخدمين يميلون لقضاء وقت أطول في مشاهدة الفيديوهات. المحتوى الذي يثير تفاعلًا كثيرًا، مثل التعليقات والمشاركات، يحصل على دفعة في الظهور.
- الخوارزميات أيضًا تأخذ في الاعتبار العلاقات الاجتماعية. المنشورات من الأشخاص الذين تتفاعل معهم كثيرًا تظهر لك أكثر من منشورات أشخاص نادرًا ما تتفاعل معهم، حتى لو كنت أصدقاء مع كليهما. هذا يعني أن هناك أصدقاء على فيسبوك ربما لا ترى منشوراتهم أبدًا لأنك لم تتفاعل معهم منذ فترة طويلة.
العوامل الرئيسية التي تؤثر على ما تراه
لفهم أعمق لكيفية تحكم الخوارزميات في المحتوى الذي نراه، يجب أن ننظر إلى العوامل المحددة التي تستخدمها هذه الأنظمة في اتخاذ قراراتها. على الرغم من أن كل منصة لها خوارزميتها الفريدة، إلا أن هناك عوامل مشتركة تستخدمها معظم المنصات.
- أولًا وقبل كل شيء، التفاعل السابق هو الملك. الخوارزميات تتذكر كل شيء. إذا قضيت الكثير من الوقت في مشاهدة فيديوهات كرة القدم الأسبوع الماضي، ستفترض الخوارزمية أنك تريد رؤية المزيد منها. إذا تفاعلت مع منشورات سياسية، ستبدأ في رؤية المزيد من المحتوى السياسي. هذا يخلق ما يسمى بـفقاعة الفلتر أو غرفة الصدى، وهو موضوع سنتناوله بتفصيل أكبر لاحقًا.
- العامل الثاني المهم هو معدل التفاعل. المنشورات التي تحصل على الكثير من الإعجابات والتعليقات والمشاركات في وقت قصير تحصل على دفعة قوية في الخوارزمية. هذا يعني أنها ستظهر لعدد أكبر من الأشخاص، مما يخلق تأثير كرة الثلج. المحتوى الذي ينتشر بسرعة يستمر في الانتشار بشكل أسرع.
- الاكتمال أو معدل الإتمام هو عامل حاسم خاصة في منصات الفيديو مثل تيك توك ويوتيوب. إذا شاهدت فيديو حتى النهاية، فهذا إشارة قوية للخوارزمية بأن المحتوى كان جذابًا ومثيرًا للاهتمام. على العكس، إذا توقفت عن المشاهدة بعد ثوانٍ قليلة، فهذا يخبر الخوارزمية أن المحتوى لم يكن مناسبًا لك.
- المصداقية والسمعة تلعبان دورًا أيضًا. الحسابات التي لها تاريخ طويل من إنتاج محتوى عالي الجودة ويحظى بتفاعل جيد تحصل على معاملة تفضيلية من الخوارزمية. هذا يعني أن المبدعين الجدد قد يجدون صعوبة في البداية للحصول على الانتشار، بينما المبدعون المشهورون يحصلون على دفعة تلقائية.
- الحداثة أو الطازجية لا تزال مهمة، لكنها ليست العامل الوحيد. بينما كان الترتيب الزمني سابقًا هو الأساس، الآن الخوارزميات تحاول إيجاد توازن بين المحتوى الجديد والمحتوى الذي تعتقد أنه سيكون أكثر صلة بك. قد ترى منشورًا من يومين مضت إذا اعتقدت الخوارزمية أنه مهم لك، بينما تفوت منشورًا نُشر قبل ساعة إذا كان أقل صلة باهتماماتك.
- نوع الوسائط المستخدمة في المنشور يحدث فرقًا كبيرًا. بشكل عام، الترتيب من حيث الأولوية يكون كالتالي: الفيديوهات الحية في القمة، ثم الفيديوهات المسجلة، ثم الصور، وأخيرًا المنشورات النصية. هذا لأن الفيديوهات عادة تحافظ على انتباه المستخدم لفترة أطول، وهو بالضبط ما تريده المنصات.
- التفاعلات الهادفة أصبحت أكثر أهمية في السنوات الأخيرة. فيسبوك، على سبيل المثال، بدأ في إعطاء وزن أكبر للتعليقات والمحادثات مقارنة بمجرد الإعجابات. الفكرة هي تشجيع التفاعل الحقيقي والمشاركة الفعالة بدلًا من التمرير السلبي.
- السياق الجغرافي والثقافي يؤخذ في الاعتبار أيضًا. إذا كان هناك حدث محلي كبير في مدينتك، من المرجح أن ترى محتوى مرتبطًا به. المنصات تستخدم موقعك الجغرافي لتخصيص المحتوى بطريقة تجعله أكثر صلة بحياتك اليومية.
خوارزمية فيسبوك: داخل العقل الأزرق
فيسبوك، الذي يملك أيضًا إنستغرام وواتساب، لديه واحدة من أكثر الخوارزميات تطورًا وتعقيدًا في عالم التواصل الاجتماعي. الشركة نادرًا ما تكشف عن التفاصيل الكاملة لكيفية عمل خوارزميتها، لكن من خلال بياناتها العامة وتصريحات مسؤوليها، يمكننا فهم الخطوط العريضة لكيفية عملها.
- في قلب خوارزمية فيسبوك يوجد ما تسميه الشركة نقاط التفاعل المتوقعة. بشكل أساسي، لكل منشور محتمل يمكن أن يظهر في خلاصتك، تحسب الخوارزمية احتمال تفاعلك معه. هل ستضغط على إعجاب؟ هل ستعلق؟ هل ستشارك؟ أو هل ستخفي المنشور؟ بناءً على هذه التوقعات، يتم ترتيب المحتوى.
- فيسبوك تستخدم نظامًا معقدًا من النماذج التنبؤية التي تحلل آلاف الإشارات المختلفة. واحدة من أهم هذه الإشارات هي ما تسميه الشركة التفاعلات الهادفة. بعد أن واجهت فيسبوك انتقادات بأن منصتها كانت تسبب الإدمان والتمرير السلبي دون تفاعل حقيقي، قررت تغيير خوارزميتها لتفضيل المحتوى الذي يثير محادثات ونقاشات بين المستخدمين.
- في عام 2018، أعلن مارك زوكربيرغ عن تحديث كبير للخوارزمية يهدف إلى إعطاء الأولوية للمحتوى من الأصدقاء والعائلة على حساب المحتوى من الصفحات والناشرين. كان هذا التحديث مدمرًا للعديد من منتجي المحتوى والناشرين الذين اعتمدوا على فيسبوك للوصول إلى جمهورهم. فجأة، وجدوا أن وصولهم العضوي قد انخفض بشكل كبير.
- الخوارزمية أيضًا تحاول مكافحة المعلومات المضللة والمحتوى المثير للجدل بشكل سلبي. فيسبوك تستخدم فرقًا من مدققي الحقائق والذكاء الاصطناعي لتحديد المحتوى المشكوك فيه، وعندما يتم وضع علامة على محتوى ما، ينخفض انتشاره بشكل كبير في الخوارزمية.
- عامل آخر مهم في خوارزمية فيسبوك هو ما يسمى بـالوقت المستغرق. لا يتعلق الأمر فقط بما إذا كنت قد تفاعلت مع منشور، بل كم من الوقت قضيت في النظر إليه. إذا توقفت للقراءة لفترة طويلة دون التفاعل، هذا يُعتبر إشارة إيجابية أيضًا.
- فيسبوك أيضًا تجري اختبارات A/B باستمرار مع مستخدمين مختلفين. قد تحصل على نسخة مختلفة قليلًا من الخوارزمية مقارنة بصديقك، وذلك لاختبار أي نهج يعمل بشكل أفضل. هذا يعني أن الخوارزمية تتطور باستمرار وتتحسن بناءً على بيانات حقيقية من ملايين المستخدمين.
- مجموعات فيسبوك حصلت على أولوية خاصة في الخوارزمية في السنوات الأخيرة. الشركة أدركت أن المستخدمين يجدون قيمة كبيرة في المجتمعات المحلية والمتخصصة، لذا أصبح المحتوى من المجموعات التي تنتمي إليها يظهر بشكل أكثر بروزًا في خلاصتك.
- إعلانات فيسبوك، بالطبع، هي جزء لا يتجزأ من الخوارزمية. المنصة تحقق معظم إيراداتها من الإعلانات، لذا فإن الخوارزمية مصممة أيضًا لإدخال الإعلانات بطريقة تبدو طبيعية وغير مزعجة. الإعلانات التي تراها مستهدفة بدقة بناءً على اهتماماتك وسلوكك على المنصة وخارجها.
إنستغرام: عالم الصور والقصص
إنستغرام، المملوك لفيسبوك منذ عام 2012، طور خوارزميته الخاصة التي تختلف قليلًا عن فيسبوك، لكنها تشترك في العديد من المبادئ الأساسية. ما يجعل إنستغرام فريدًا هو تركيزه على المحتوى البصري والقصص القصيرة التي تختفي بعد 24 ساعة.
- خوارزمية إنستغرام تنقسم فعليًا إلى عدة خوارزميات مختلفة، واحدة لكل قسم من المنصة. هناك خوارزمية للخلاصة الرئيسية، وأخرى للقصص، وثالثة لصفحة الاستكشاف، ورابعة لـريلز، وهو منافس إنستغرام لتيك توك.
- بالنسبة للخلاصة الرئيسية، الخوارزمية تركز بشكل كبير على الحسابات التي تتفاعل معها بانتظام. إذا كنت تضع إعجاب أو تعلق على منشورات شخص معين بشكل متكرر، ستظهر منشوراتهم في أعلى خلاصتك. الوقت الذي تقضيه في النظر إلى منشور معين يُحتسب أيضًا، حتى لو لم تضغط على أي زر.
- القصص لها خوارزمية مختلفة قليلًا. بما أنها مؤقتة وتختفي بعد يوم، الحداثة تلعب دورًا أكبر هنا. لكن حتى في القصص، الخوارزمية تحاول ترتيب القصص التي تظهر لك بناءً على الحسابات التي تشاهدها بانتظام. إذا كنت تشاهد قصص صديق معين كل يوم، ستظهر قصصهم في البداية.
- صفحة الاستكشاف هي المكان الذي تحاول فيه إنستغرام أن تساعدك في اكتشاف محتوى جديد. هنا، الخوارزمية تنظر إلى المحتوى الذي تفاعلت معه في الماضي وتحاول إيجاد محتوى مشابه من حسابات لا تتابعها بعد. إذا كنت تتفاعل كثيرًا مع صور الطبيعة، على سبيل المثال، ستجد صفحة الاستكشاف مليئة بصور المناظر الطبيعية من مصورين مختلفين.
- ريلز، والذي أطلقته إنستغرام كاستجابة مباشرة لنجاح تيك توك، يستخدم خوارزمية قوية جدًا مشابهة لتلك الموجودة في تيك توك. الهدف هو إبقاؤك تشاهد فيديو تلو الآخر. الخوارزمية تتعلم بسرعة ما تحب وتكره، وتعدل المحتوى الذي تعرضه وفقًا لذلك.
- عامل الهاشتاغ في إنستغرام لا يزال مهمًا، لكن تأثيره تضاءل قليلًا مع التحديثات الأخيرة للخوارزمية. استخدام الهاشتاغات المناسبة يمكن أن يساعد في اكتشاف محتواك من قبل أشخاص جدد، لكنه لم يعد الضمان المطلق للوصول الواسع كما كان في السابق.
- إنستغرام أيضًا تحاول محاربة السلوكيات غير الأصيلة مثل شراء المتابعين أو استخدام البوتات للحصول على إعجابات وتعليقات. الخوارزمية أصبحت أفضل في اكتشاف هذه الأنماط، والحسابات التي تستخدم هذه الأساليب قد تجد نفسها مع وصول أقل أو حتى مع عقوبات على حساباتها.
- التفاعل المتبادل يُكافأ بشكل كبير في إنستغرام. إذا كنت تعلق على منشورات شخص ما ويعلقون بدورهم على منشوراتك، الخوارزمية تعتبر هذا علامة على علاقة قوية وتعطي أولوية لعرض محتوى كل منكما للآخر.
تيك توك: سحر الخوارزمية الأكثر إدمانًا
تيك توك ربما يمتلك أقوى وأكثر خوارزمية إدمانًا في عالم التواصل الاجتماعي اليوم. ما يميز تيك توك هو أنه لا يعتمد بشكل أساسي على من تتابعهم. بدلاً من ذلك، صفحة For You، وهي الصفحة الرئيسية التي يراها معظم المستخدمين، مليئة بمحتوى من حسابات قد لا تتابعها على الإطلاق.
هذا النهج كان ثوريًا. بينما تتطلب منصات أخرى منك بناء شبكة من الأصدقاء والحسابات المتابعة قبل أن تحصل على تجربة جيدة، تيك توك يمكن أن يوفر لك محتوى مخصص بدقة من اللحظة الأولى التي تفتح فيها التطبيق، حتى قبل أن تتابع أي شخص.
- خوارزمية تيك توك تعمل بسرعة مذهلة في فهم تفضيلاتك. كل فيديو تشاهده، حتى النهاية أو تتخطاه، يخبر الخوارزمية شيئًا عنك. إذا شاهدت فيديو عن الطبخ حتى النهاية ثم شاهدت واحدًا آخر مشابه، في غضون دقائق ستجد صفحة For You الخاصة بك مليئة بفيديوهات الطبخ.
- لكن الخوارزمية لا تعتمد فقط على ما تشاهده. إنها تحلل تفاعلاتك بتفصيل دقيق. هل أعدت مشاهدة جزء معين من فيديو؟ هل شاركت الفيديو مع صديق؟ هل علقت عليه؟ هل حفظته؟ كل هذه الإشارات تساعد الخوارزمية في فهم ما يثير اهتمامك حقًا.
- ما يجعل تيك توك قويًا بشكل خاص هو قدرته على تقديم محتوى متنوع في نفس الوقت. قد تشاهد فيديو كوميدي، يليه فيديو تعليمي، ثم فيديو رقص، ثم فيديو عن الحيوانات، والخوارزمية تتأكد أن كل واحد منهم يلمس اهتمامًا مختلفًا لديك.
- عامل مهم آخر في تيك توك هو الصوت والموسيقى. إذا تفاعلت مع عدة فيديوهات تستخدم نفس الأغنية أو المقطع الصوتي، ستبدأ في رؤية المزيد من الفيديوهات التي تستخدم نفس الصوت. هذا يساهم في انتشار التريندات والتحديات بسرعة على المنصة.
- تيك توك أيضًا يستخدم ما يسمى بـتجميع الفيديوهات. بدلاً من عرض فيديوهات من نفس المبدع بشكل متتالي، الخوارزمية تنوع مصادر المحتوى لتحافظ على تجربة منعشة ومتنوعة. هذا يمنح فرصة أكبر للمبدعين الجدد والصغار للظهور حتى للمستخدمين الذين لا يتابعونهم.
- المنصة تجري ما يسمى بـالاختبار على جمهور صغير أولاً. عندما يتم تحميل فيديو جديد، يتم عرضه لعدد صغير من المستخدمين. إذا حصل على معدل تفاعل جيد من هذه المجموعة الأولية، يتم عرضه لجمهور أوسع. إذا استمر في الأداء الجيد، يستمر في الانتشار. هذا يعني أن حتى المبدعين الجدد يمكن أن يحققوا انتشارًا واسعًا إذا كان محتواهم جذابًا.
- طول الفيديو يلعب دورًا مثيرًا للاهتمام في تيك توك. بينما بدأت المنصة بالتركيز على فيديوهات قصيرة جدًا بين 15 إلى 60 ثانية، الآن أصبحت تدعم فيديوهات أطول حتى 10 دقائق. لكن الخوارزمية لا تزال تفضل الفيديوهات التي يتم مشاهدتها حتى النهاية، لذا فالفيديوهات القصيرة التي تحافظ على الانتباه طوال الوقت لا تزال لها ميزة.
تويتر إكس: التغريدات والتريندات
تويتر، الذي أعيدت تسميته مؤخرًا إلى X بعد استحواذ إيلون ماسك عليه، له نهج مختلف قليلًا عن المنصات الأخرى. بينما أضاف خوارزمية لترتيب التغريدات في عام 2016، لا يزال يوفر خيار الترتيب الزمني للمستخدمين الذين يفضلون ذلك.
- خوارزمية تويتر تركز بشكل كبير على الأهمية والشعبية. التغريدات التي تحصل على الكثير من الإعجابات والريتويت والتعليقات في وقت قصير تعتبر أكثر أهمية وتظهر لعدد أكبر من المستخدمين. هذا يجعل تويتر مكانًا ممتازًا للأخبار العاجلة والأحداث الحية.
- صفحة الاستكشاف في تويتر تعرض التريندات، وهي الموضوعات الأكثر حديثًا في الوقت الحالي. الخوارزمية تحدد التريندات ليس فقط بناءً على عدد التغريدات حول موضوع معين، بل أيضًا بناءً على السياق الزمني والجغرافي. موضوع يتزايد الحديث عنه بسرعة في منطقتك قد يصبح ترندًا حتى لو لم يكن له نفس العدد الإجمالي من التغريدات مثل موضوع آخر.
- التحقق بالعلامة الزرقاء أو الذهبية في تويتر الجديد يؤثر على الخوارزمية. الحسابات المميزة بهذه الطريقة تحصل على أولوية في الردود والظهور في نتائج البحث. هذا كان تغييرًا مثيرًا للجدل تحت إدارة إيلون ماسك، حيث أصبح بإمكان أي شخص الحصول على العلامة الزرقاء بالدفع، بدلاً من أن تكون مخصصة للحسابات الموثقة فقط.
- تويتر يستخدم أيضًا خوارزمية لتصفية المحتوى الضار والسبام. التغريدات التي يتم الإبلاغ عنها بشكل متكرر أو التي تأتي من حسابات تظهر سلوكًا يشبه البوتات قد يتم تقييد ظهورها أو إزالتها تمامًا.
- مؤخرًا، قدم تويتر ميزة المجتمعات التي تشبه المجموعات في فيسبوك. المحتوى داخل هذه المجتمعات يحصل على أولوية عرض لأعضاء المجتمع، مما يخلق تجربة أكثر تخصصًا ضمن المنصة الأوسع.
- الخوارزمية أيضًا تأخذ في الاعتبار اهتماماتك المعلنة. عندما تنضم لتويتر، يُطلب منك اختيار بعض المواضيع التي تهتم بها، والخوارزمية تستخدم هذه المعلومات لتخصيص ما تراه، على الأقل في البداية قبل أن تتعلم المزيد عن تفضيلاتك من خلال سلوكك.
يوتيوب: ملك الفيديو الطويل
يوتيوب، رغم أنه ليس منصة تواصل اجتماعي بالمعنى التقليدي، إلا أنه يمتلك واحدة من أقوى وأكثر الخوارزميات تأثيرًا على الإنترنت. خوارزمية يوتيوب معقدة للغاية وتهدف إلى شيء واحد رئيسي: إبقاءك تشاهد لأطول فترة ممكنة.
- الصفحة الرئيسية في يوتيوب مليئة بتوصيات الفيديوهات التي تعتقد الخوارزمية أنك ستستمتع بها. هذه التوصيات تعتمد على عدة عوامل: الفيديوهات التي شاهدتها مؤخرًا، القنوات التي تشترك فيها، الفيديوهات التي أعجبتك أو لم تعجبك، وحتى الفيديوهات التي شاهدت جزءًا منها ثم أغلقتها.
- وقت المشاهدة هو الملك في يوتيوب. الفيديو الذي يحافظ على المشاهدين حتى النهاية أو على الأقل لنسبة كبيرة من مدته يحصل على دفعة قوية في الخوارزمية. هذا لماذا ترى الكثير من صناع المحتوى يركزون على إنشاء محتوى يجذب الانتباه من الثانية الأولى ويحافظ عليه.
- الفيديوهات المقترحة على الجانب أو في نهاية كل فيديو تُختار بعناية فائقة. الخوارزمية تحاول إيجاد الفيديو التالي الذي من المرجح أن تنقر عليه وتشاهده. هذا يخلق ما يُعرف بـجلسات المشاهدة الطويلة، حيث تبدأ بمشاهدة فيديو واحد وتجد نفسك بعد ساعتين لا تزال تشاهد.
- يوتيوب شورتس، وهو منافس يوتيوب لتيك توك، يستخدم خوارزمية مختلفة قليلاً. مثل تيك توك، التركيز هو على الفيديوهات القصيرة التي يمكن استهلاكها بسرعة. الخوارزمية هنا تتعلم بسرعة من خياراتك وتعدل المحتوى المعروض وفقًا لذلك.
- البحث في يوتيوب له خوارزميته الخاصة أيضًا. عندما تبحث عن شيء، النتائج لا تُرتب فقط بناءً على مدى تطابقها مع كلمات البحث، بل أيضًا بناءً على معدل النقر، وقت المشاهدة، وجودة الفيديو بشكل عام.
- يوتيوب يستخدم نظام التعلم الآلي المتقدم للتعرف على محتوى الفيديو نفسه. يمكنه تحليل الصوت، الترجمة، الصور، والوصف لفهم موضوع الفيديو وتصنيفه بدقة. هذا يساعد في توصيل الفيديوهات للأشخاص المناسبين حتى لو لم تكن الكلمات المفتاحية مثالية.
- إشعارات الاشتراك في يوتيوب لم تعد تعني بالضرورة أنك سترى كل فيديوهات القناة التي اشتركت فيها. الخوارزمية تقرر أي من هذه الفيديوهات تستحق أن تظهر في صفحتك الرئيسية أو أن تصلك كإشعار بناءً على تفاعلك السابق مع القناة.
لينكد إن: الشبكة المهنية
لينكد إن، المنصة الاجتماعية المهنية، لديها خوارزمية فريدة تعكس طبيعتها المختلفة. بينما تركز منصات أخرى على الترفيه والتواصل الشخصي، لينكد إن تركز على المحتوى المهني والتواصل الوظيفي.
- خوارزمية لينكد إن تمر بعدة مراحل. أولاً، تقوم بتصفية المحتوى لإزالة السبام والمحتوى غير اللائق. ثم تصنف المنشورات بناءً على ثلاثة معايير رئيسية: الأشخاص، وهم الحسابات التي تتفاعل معها بانتظام؛ المشاركة، أي المنشورات التي تحصل على تفاعل كبير؛ والأهمية، وهي مدى صلة المحتوى بمجالك المهني.
- المحتوى النصي الطويل يعمل بشكل جيد على لينكد إن، على عكس منصات أخرى حيث الصور والفيديوهات تسيطر. المنشورات التي تشارك خبرات مهنية، دروس مستفادة، أو نصائح مهنية تميل للحصول على تفاعل أفضل.
- الفيديوهات الأصلية التي يتم تحميلها مباشرة إلى لينكد إن تحصل على أولوية أعلى من الروابط لفيديوهات خارجية. هذا نمط نراه في معظم منصات التواصل الاجتماعي، حيث تفضل المنصات المحتوى الذي يبقي المستخدمين داخلها.
- التعليقات الهادفة مهمة جدًا في لينكد إن. المنشورات التي تثير نقاشات عميقة وتعليقات مدروسة تحصل على دفعة أقوى من تلك التي تحصل فقط على إعجابات سريعة.
- لينكد إن أيضًا يستخدم خوارزمية لتوصيل الأشخاص المناسبين ببعضهم. اقتراحات الأشخاص للتواصل معهم تعتمد على العديد من العوامل مثل المجال المهني، الشركة، الموقع الجغرافي، والاتصالات المشتركة.
سناب شات: الصور والقصص المختفية
سناب شات، الذي يركز على الرسائل المؤقتة والمحتوى الذي يختفي، له نهج فريد في خوارزميته. الميزة الرئيسية في سناب شات هي القصص، والخوارزمية تحدد أي القصص تظهر أولاً بناءً على تفاعلك مع أصدقائك.
- صفحة الاكتشاف في سناب شات تعرض قصصًا من ناشرين محترفين ومبدعين مشهورين. الخوارزمية هنا تحاول فهم اهتماماتك وعرض المحتوى الأكثر صلة بك من مجموعة منتقاة من المحتوى عالي الجودة.
- خوارزمية سناب شات أيضًا تستخدم خاصية سناب ماب لعرض قصص من أحداث ومواقع محددة. إذا كان هناك حدث كبير في مدينتك، قد ترى قصصًا منه حتى لو لم تكن تتابع الأشخاص الذين نشروها.
- الفلاتر والعدسات، وهي من أشهر ميزات سناب شات، تلعب دورًا في الخوارزمية أيضًا. الفلاتر التي تستخدمها كثيرًا أو تقضي وقتًا في تجربتها تظهر لك أولاً في المرات القادمة.
- سناب شات سبوتلايت، والذي يشبه تيك توك، يستخدم خوارزمية للترويج للمحتوى الإبداعي القصير. هنا، المحتوى الذي يحصل على الكثير من التفاعل يمكن أن يصل لملايين المشاهدات حتى من حساب جديد.
فقاعة الفلتر وغرفة الصدى
واحدة من أخطر نتائج خوارزميات التواصل الاجتماعي هي ما يُعرف بـفقاعة الفلتر أو غرفة الصدى. هذه المصطلحات تشير إلى الظاهرة حيث يرى المستخدم بشكل متزايد فقط المحتوى الذي يتفق مع معتقداته وآرائه الموجودة مسبقًا، مما يخلق واقعًا مشوهًا ومحدودًا.
تحدث فقاعة الفلتر لأن الخوارزميات مصممة لعرض المحتوى الذي من المرجح أن تتفاعل معه. إذا كانت لديك ميول سياسية معينة وبدأت في التفاعل مع محتوى يدعم هذه الميول، ستبدأ الخوارزمية في عرض المزيد والمزيد من هذا النوع من المحتوى. تدريجيًا، تتقلص تجربتك لتشمل فقط وجهات نظر تعزز ما تعتقده بالفعل.
هذا يمكن أن يكون خطيرًا لعدة أسباب. أولاً، يقلل من التعرض لوجهات نظر مختلفة وأفكار جديدة، مما يحد من القدرة على التفكير النقدي والنمو الفكري. ثانيًا، يمكن أن يؤدي إلى استقطاب المجتمع، حيث تعيش مجموعات مختلفة من الناس في واقعين معلوماتيين منفصلين تمامًا.
في السياق السياسي، فقاعات الفلتر يمكن أن تكون مدمرة للديمقراطية. عندما لا يستطيع الناس حتى الاتفاق على الحقائق الأساسية لأنهم يستهلكون مصادر معلومات مختلفة تمامًا، يصبح الحوار البناء والتفاهم المتبادل شبه مستحيل.
أظهرت دراسات متعددة كيف أن فقاعات الفلتر ساهمت في انتشار المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة. عندما يرى الشخص فقط المحتوى الذي يتفق مع معتقداته، حتى لو كانت هذه المعلومات خاطئة، يصبح من الصعب جدًا تصحيح هذه المفاهيم الخاطئة.
الشركات التقنية أصبحت تدرك هذه المشكلة، وبعضها يحاول إيجاد حلول. فيسبوك، على سبيل المثال، قال إنه يعمل على عرض مجموعة أوسع من وجهات النظر في خلاصات المستخدمين. لكن هذا يخلق توترًا مع هدفهم الأساسي وهو الحفاظ على انخراط المستخدمين، لأن الناس عادة ما يتفاعلون أكثر مع المحتوى الذي يتفقون معه.
حل هذه المشكلة ليس سهلاً. إذا بدأت المنصات في عرض محتوى لا يتفق مع معتقدات المستخدم بشكل قسري، قد يؤدي ذلك إلى إحباط وابتعاد المستخدمين. لكن إذا استمرت في تعزيز فقاعات الفلتر، تستمر المشاكل المجتمعية المرتبطة بها.
كمستخدمين، هناك خطوات يمكننا اتخاذها لتقليل تأثير فقاعة الفلتر. متابعة مصادر متنوعة، البحث النشط عن وجهات نظر مختلفة، وتحدي افتراضاتنا الخاصة كلها طرق للخروج من الفقاعة. لكن هذا يتطلب وعيًا وجهدًا واعيًا، وهو شيء لا يقوم به معظم المستخدمين.
الصحة النفسية والإدمان الرقمي
خوارزميات التواصل الاجتماعي ليست محايدة؛ فهي مصممة بشكل متعمد لتكون إدمانية. الشركات التي تقف وراء هذه المنصات توظف علماء نفس ومتخصصين في علم الأعصاب لفهم بالضبط ما الذي يجعل الناس يعودون مرة أخرى ومرة أخرى.
أحد المبادئ الأساسية المستخدمة هو التعزيز المتغير، وهو نفس المبدأ الذي يجعل ماكينات القمار إدمانية. عندما تسحب لتحديث خلاصتك، لا تعرف بالضبط ما الذي ستجده. أحيانًا تجد شيئًا مثيرًا للاهتمام، وأحيانًا لا. هذا الغموض يحفز الدماغ على إفراز الدوبامين، وهو ناقل عصبي مرتبط بالمتعة والمكافأة.
الإشعارات هي أداة قوية أخرى. كل إشعار صغير يصل إلى هاتفك يمثل فرصة محتملة للحصول على تأكيد اجتماعي، سواء كان إعجابًا على صورتك أو تعليقًا على منشورك. هذا يخلق دافعًا قويًا لفتح التطبيق مرارًا وتكرارًا للتحقق من هذه التحديثات.
التصميم اللانهائي للتمرير أيضًا يساهم في الإدمان. على عكس المجلة أو الجريدة التي لها نهاية واضحة، خلاصات التواصل الاجتماعي لا تنتهي أبدًا. دائمًا هناك منشور آخر، فيديو آخر، قصة أخرى. هذا يجعل من السهل جدًا قضاء ساعات دون أن تدرك ذلك.
الأبحاث بدأت تكشف عن التأثيرات السلبية لهذا الإدمان على الصحة النفسية. الدراسات ربطت بين الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي وزيادة معدلات القلق والاكتئاب، خاصة بين المراهقين والشباب. المقارنة المستمرة مع الآخرين، والخوف من تفويت شيء ما، والضغط للحفاظ على صورة معينة على الإنترنت كلها عوامل تساهم في هذه المشاكل.
إنستغرام، على وجه الخصوص، تم انتقاده بشدة لتأثيره على الصحة النفسية للفتيات المراهقات. تسريبات داخلية من فيسبوك أظهرت أن الشركة كانت تعلم أن إنستغرام كان يضر بالصحة النفسية لنسبة كبيرة من المستخدمات الشابات، لكنها لم تتخذ إجراءات كافية لمعالجة المشكلة.
ظاهرة الفومو، أو الخوف من تفويت شيء ما، تفاقمت بشكل كبير بسبب خوارزميات التواصل الاجتماعي. عندما ترى باستمرار أصدقاءك يشاركون أحداثًا ممتعة، رحلات، وإنجازات، من السهل أن تشعر أن حياتك الخاصة غير كافية بالمقارنة. الخوارزميات، بطبيعتها، تميل لعرض اللحظات الأكثر إثارة وإيجابية، مما يخلق صورة مشوهة عن واقع حياة الناس.
مشكلة أخرى هي تأثير التواصل الاجتماعي على الانتباه والتركيز. الطبيعة السريعة والمشتتة لهذه المنصات تدرب أدمغتنا على البحث عن التحفيز المستمر والسريع. هذا يجعل من الصعب التركيز على مهام تتطلب انتباهًا عميقًا ومستدامًا، مثل القراءة أو التعلم أو العمل الإبداعي.
بعض الخبراء يشيرون إلى أن الأطفال والمراهقين هم الأكثر عرضة للخطر. أدمغتهم لا تزال في مرحلة النمو، ويمكن أن يكون للإدمان الرقمي تأثيرات طويلة الأمد على تطورهم الاجتماعي والعاطفي والمعرفي.
الحل ليس بالضرورة التخلي التام عن وسائل التواصل الاجتماعي، بل استخدامها بوعي أكبر وبطريقة أكثر توازنًا. وضع حدود زمنية، إيقاف الإشعارات، وأخذ فترات راحة منتظمة كلها استراتيجيات يمكن أن تساعد في تقليل التأثيرات السلبية.
المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة
واحدة من أخطر النتائج غير المقصودة لـخوارزميات التواصل الاجتماعي هي الطريقة التي سهلت بها انتشار المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة. الخوارزميات، في سعيها لتعظيم التفاعل، غالبًا ما تروج للمحتوى المثير والمثير للجدل، بغض النظر عن مدى دقته.
الأخبار الكاذبة تميل للانتشار أسرع من الأخبار الحقيقية على وسائل التواصل الاجتماعي. دراسة شهيرة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجدت أن الأخبار الكاذبة على تويتر كانت أكثر احتمالًا بنسبة 70% للمشاركة من الأخبار الحقيقية. لماذا؟ لأن الأخبار الكاذبة غالبًا ما تكون أكثر إثارة، صادمة، أو عاطفية، مما يجعلها أكثر جذبًا للنقر والمشاركة.
الخوارزميات لا تميز بشكل طبيعي بين المعلومات الصحيحة والخاطئة. همها الوحيد هو التفاعل. إذا كان منشور يحتوي على معلومات خاطئة لكنه يحصل على الكثير من الإعجابات والتعليقات والمشاركات، الخوارزمية ستعتبره محتوى ناجح وتعرضه لمزيد من الأشخاص.
في السنوات الأخيرة، شهدنا عواقب خطيرة لهذه الظاهرة. من نظريات المؤامرة حول اللقاحات التي أدت إلى انخفاض معدلات التطعيم، إلى المعلومات المضللة حول الانتخابات التي هددت العمليات الديمقراطية، إلى شائعات خطيرة أثناء جائحة كوفيد-19 التي أضرت بالصحة العامة.
فيسبوك ومنصات أخرى بدأت في اتخاذ خطوات لمكافحة المعلومات المضللة، لكن التقدم كان بطيئًا وغير كافٍ وفقًا للكثير من النقاد. الشركات توظف مدققي حقائق، وتستخدم الذكاء الاصطناعي للكشف عن المحتوى المشكوك فيه، وتضع تحذيرات على المنشورات التي تحتوي على معلومات مضللة. لكن هذه الجهود غالبًا ما تأتي متأخرة، بعد أن يكون المحتوى الكاذب قد انتشر بالفعل على نطاق واسع.
المشكلة معقدة لأنها تتعلق أيضًا بـحرية التعبير. أين نرسم الخط بين إزالة المعلومات الخطيرة الخاطئة وبين الرقابة؟ من يقرر ما هو صحيح وما هو خطأ؟ هذه أسئلة فلسفية وأخلاقية عميقة ليس لها إجابات سهلة.
بعض الباحثين يقترحون أن الحل يكمن في تعديل الخوارزميات نفسها. بدلاً من تحسين التفاعل فقط، يمكن تحسينها لتعزيز جودة المعلومات والمصداقية. لكن هذا يتطلب تعريفًا واضحًا للجودة والمصداقية، وهو بحد ذاته تحدٍ كبير.
الحل الآخر هو التثقيف. تعليم الناس، خاصة الشباب، كيفية التفكير النقدي والتحقق من المعلومات قبل تصديقها أو مشاركتها. محو الأمية الرقمية أصبح مهارة أساسية في عصرنا، لكن معظم الأنظمة التعليمية لا تزال متأخرة في دمج هذا في مناهجها.
كمستخدمين، يمكننا المساهمة في الحل بأن نكون أكثر حذرًا ووعيًا. قبل مشاركة خبر أو معلومة، خاصة إذا كانت صادمة أو مثيرة، من المهم أن نتحقق من مصدرها ونبحث عن تأكيد من مصادر موثوقة متعددة.
الاستهداف الإعلاني والخصوصية
أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل خوارزميات التواصل الاجتماعي متطورة جدًا هو الإعلانات. المنصات المجانية التي نستخدمها يوميًا ليست مجانية حقًا؛ نحن ندفع ثمنها ببياناتنا واهتمامنا. نموذج العمل يعتمد على جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عنا لتمكين المعلنين من استهدافنا بدقة عالية.
كل ما تفعله على منصات التواصل الاجتماعي يتم تسجيله. الصفحات التي تزورها، الفيديوهات التي تشاهدها، الأشخاص الذين تتواصل معهم، حتى الوقت الذي تقضيه في النظر إلى منشور معين دون التفاعل معه. كل هذه البيانات تُستخدم لبناء ملف شخصي مفصل جدًا عنك.
لكن الأمر لا يتوقف عند ما تفعله على المنصة نفسها. فيسبوك، على سبيل المثال، يتتبع نشاطك على مواقع وتطبيقات أخرى من خلال ما يسمى بـالبكسل والأدوات التتبعية. عندما تزور موقعًا إلكترونيًا يحتوي على زر مشاركة فيسبوك أو بكسل تتبع فيسبوك، فإن ذلك يُسجل ويُضاف إلى ملفك الشخصي.
هذا الاستهداف الإعلاني الدقيق هو سيف ذو حدين. من جهة، يعني أنك ترى إعلانات أكثر صلة باهتماماتك بدلاً من إعلانات عشوائية لا تهمك. من جهة أخرى، هناك قلق كبير بشأن الخصوصية وكيفية استخدام هذه البيانات.
الفضائح مثل قضية كامبريدج أناليتيكا، حيث تم استخدام بيانات ملايين المستخدمين دون إذنهم للتأثير على الانتخابات، أظهرت مدى خطورة إساءة استخدام هذه البيانات. منذ ذلك الحين، تم تطبيق قوانين أكثر صرامة للحماية من الخصوصية في العديد من الدول، مثل اللائحة العامة لحماية البيانات في الاتحاد الأوروبي.
الشركات الآن مطالبة بأن تكون أكثر شفافية حول البيانات التي تجمعها وكيف تستخدمها. المستخدمون لديهم حقوق أكبر في الوصول إلى بياناتهم وحذفها. لكن رغم هذه التحسينات، لا يزال معظم الناس لا يفهمون تمامًا حجم البيانات التي يتم جمعها عنهم.
إعدادات الخصوصية على منصات التواصل الاجتماعي عادة ما تكون معقدة ومدفونة في قوائم طويلة. بشكل افتراضي، عادة ما تكون الإعدادات مضبوطة لصالح الشركة وليس المستخدم، بمعنى أن أقصى قدر من البيانات يتم جمعه ما لم تأخذ الوقت لتغيير هذه الإعدادات.
بعض المستخدمين يستخدمون أدوات حجب الإعلانات وملحقات المتصفح التي تمنع التتبع. بينما هذه الأدوات فعالة، إلا أنها تخلق توترًا مع المنصات التي تعتمد على الإعلانات لتمويل خدماتها المجانية.
السؤال الأخلاقي الأكبر هو: هل التضحية بخصوصيتنا هي ثمن عادل للخدمات المجانية التي نحصل عليها؟ البعض يعتقد نعم، والبعض الآخر يعتبر أن هذا استغلال غير أخلاقي لبياناتنا الشخصية. الحقيقة ربما تقع في مكان ما بين الطرفين، وتعتمد على القيم والأولويات الشخصية لكل فرد.
كيف تستعيد السيطرة على تجربتك
بعد فهم كل هذا عن كيفية عمل خوارزميات التواصل الاجتماعي، السؤال الطبيعي هو: كيف يمكنني استعادة بعض السيطرة على تجربتي؟ الخبر الجيد هو أن هناك العديد من الاستراتيجيات التي يمكنك استخدامها لتصبح مستخدمًا أكثر وعيًا وأقل تأثرًا بالتلاعب الخوارزمي.
- أولاً، الوعي هو نصف الحل. الآن بعد أن فهمت كيف تعمل هذه الخوارزميات، يمكنك أن تكون أكثر وعيًا عندما تجد نفسك تقضي وقتًا أطول من المخطط على منصة ما. اسأل نفسك: هل أستمتع فعلاً بهذا المحتوى، أم أنني فقط محاصر في دوامة التمرير؟
- ثانيًا، استخدم الأدوات التي توفرها المنصات نفسها للتحكم في تجربتك. معظم المنصات الآن تسمح لك بإخفاء أو كتم أنواع معينة من المحتوى. إذا رأيت منشورًا لا يعجبك أو لا تريد رؤية المزيد مثله، استخدم خيار إخفاء المنشور وأخبر المنصة لماذا. هذا يساعد في تدريب الخوارزمية على فهم تفضيلاتك الحقيقية.
- ثالثًا، كن حذرًا بشأن ما تتفاعل معه. تذكر أن كل إعجاب، تعليق، أو مشاركة هو إشارة للخوارزمية. إذا لم تكن تريد رؤية المزيد من نوع معين من المحتوى، لا تتفاعل معه حتى لو كان ذلك بتعليق سلبي. التفاعل السلبي لا يزال تفاعلاً.
- رابعًا، اتبع مصادر متنوعة. بدلاً من الاكتفاء بمتابعة الأشخاص والصفحات التي تتفق معك دائمًا، ابحث نشطًا عن وجهات نظر مختلفة. هذا لن يساعدك فقط في الخروج من فقاعة الفلتر، بل سيجعل تجربتك أكثر ثراءً وتنوعًا.
- خامسًا، ضع حدودًا زمنية واضحة. معظم الهواتف الذكية الآن تحتوي على أدوات لتتبع وقت الشاشة ووضع حدود على التطبيقات. استخدم هذه الأدوات لمراقبة كم من الوقت تقضيه على التواصل الاجتماعي وضع أهدافًا واقعية لتقليل هذا الوقت.
- سادسًا، أوقف الإشعارات. الإشعارات مصممة لجذبك مرة أخرى إلى التطبيق. بإيقافها، أنت تستعيد السيطرة على متى وكيف تستخدم المنصة. بدلاً من أن تكون رد فعل دائم على الإشعارات، يمكنك أن تكون استباقيًا وتتحقق من المنصة عندما تختار أنت ذلك.
- سابعًا، خذ فترات راحة منتظمة. الديتوكس الرقمي، حتى لو كان ليوم واحد في الأسبوع، يمكن أن يكون مفيدًا جدًا لصحتك النفسية ولكسر دورة الإدمان. بعض الناس يجدون أنه من المفيد حذف التطبيقات من هواتفهم والوصول إلى المنصات فقط من خلال المتصفح، مما يجعل الوصول أقل ملاءمة وبالتالي أقل تكرارًا.
- ثامنًا، ركز على التفاعل الهادف. بدلاً من التمرير السلبي، حاول استخدام المنصات بطريقة أكثر نشاطًا وهدفًا. شارك في محادثات حقيقية، تواصل مع الأصدقاء بشكل مباشر، شارك محتوى له معنى بالنسبة لك. هذا يمكن أن يجعل وقتك على المنصات أكثر إرضاءً وأقل إثارة للقلق.
- تاسعًا، راجع إعدادات الخصوصية بانتظام. قوانين وسياسات الخصوصية تتغير، وكذلك خيارات التحكم المتاحة لك. خصص بعض الوقت كل بضعة أشهر لمراجعة من يمكنه رؤية معلوماتك وكيف تُستخدم بياناتك.
- عاشرًا، اعتبر استخدام منصات بديلة أو مستقلة. هناك منصات تواصل اجتماعي أصغر لا تعتمد على خوارزميات معقدة أو على نموذج الأعمال القائم على الإعلانات. بينما هذه المنصات قد لا تكون بنفس شعبية العمالقة الكبار، إلا أنها غالبًا ما توفر تجربة أكثر شفافية وأقل تلاعبًا.
مستقبل الخوارزميات والتنظيم
مع تزايد الوعي العام بقوة وتأثير خوارزميات التواصل الاجتماعي، هناك ضغوط متزايدة على الحكومات والمشرعين لتنظيم هذا المجال. السؤال ليس ما إذا كان سيتم التنظيم، بل كيف ومتى.
الاتحاد الأوروبي كان رائدًا في هذا المجال. بالإضافة إلى اللائحة العامة لحماية البيانات، قدم الاتحاد قانون الخدمات الرقمية وقانون الأسواق الرقمية، اللذان يفرضان قيودًا جديدة على كيفية عمل منصات التكنولوجيا الكبرى. هذه القوانين تتطلب شفافية أكبر حول كيفية عمل الخوارزميات وتعطي المستخدمين حقوقًا أكبر في التحكم في تجربتهم.
في الولايات المتحدة، النقاش حول التنظيم لا يزال في مراحله الأولى، لكن هناك تحركات من كلا الحزبين السياسيين للنظر في كيفية التعامل مع قوة منصات التواصل الاجتماعي. القلق حول الصحة النفسية للأطفال، المعلومات المضللة، والاحتكار كلها موضوعات ساخنة في هذا النقاش.
بعض الخبراء يقترحون أن الحل يكمن في جعل الخوارزميات أكثر شفافية. إذا فهم المستخدمون بالضبط كيف ولماذا يتم عرض محتوى معين لهم، يمكنهم اتخاذ قرارات أكثر استنارة حول كيفية استخدامهم للمنصة. البعض يذهب إلى أبعد من ذلك ويقترح أن الشركات يجب أن تنشر خوارزمياتها بالكامل كـمصدر مفتوح.
اقتراح آخر هو فصل المنصات عن الخوارزميات. بهذا النموذج، يمكن للمستخدمين اختيار خوارزميات مختلفة من مزودين مستقلين بدلاً من أن يكونوا مقيدين بالخوارزمية الافتراضية للمنصة. هذا من شأنه أن يخلق سوقًا تنافسية للخوارزميات، مما قد يؤدي إلى ابتكار وخيارات أفضل للمستخدمين.
هناك أيضًا نقاش حول ما يسمى بـالمسؤولية الخوارزمية. إذا كانت خوارزمية تروج لمحتوى ضار أو مضلل، هل يجب أن تتحمل الشركة المسؤولية؟ حاليًا، في معظم الدول، المنصات محمية بقوانين تعتبرها مجرد وسيط وليست ناشر المحتوى. لكن مع تزايد قوة الخوارزميات في تشكيل ما نراه، هناك حجج قوية بأن هذه الحماية يجب أن تُعاد النظر فيها.
بعض الدول بدأت بالفعل في فرض قيود محددة. الصين، على سبيل المثال، تطلب من الشركات الحصول على موافقة حكومية على خوارزمياتها. بينما هذا النهج يثير قلقًا بشأن الرقابة والحريات، إلا أنه يوضح أن الحكومات حول العالم تأخذ قضية الخوارزميات بجدية.
من المحتمل أن نرى في المستقبل القريب المزيد من التنظيمات التي تتطلب: شفافية أكبر حول كيفية عمل الخوارزميات، خيارات أكثر للمستخدمين للتحكم في تجربتهم، حماية أقوى للبيانات الشخصية، آليات أفضل لمكافحة المعلومات المضللة، حماية خاصة للأطفال والمراهقين، قيود على الممارسات الإدمانية.
التحدي سيكون إيجاد التوازن الصحيح بين حماية المستخدمين وعدم خنق الابتكار. التنظيم المفرط قد يؤدي إلى عواقب غير مقصودة، بينما التنظيم القليل جدًا يترك المستخدمين عرضة للاستغلال.
دور المبدعين ومنتجي المحتوى
خوارزميات التواصل الاجتماعي لم تغير فقط كيفية استهلاك المحتوى، بل أيضًا كيفية إنتاجه. المبدعون ومنتجو المحتوى يجدون أنفسهم في لعبة مستمرة من محاولة فهم والتكيف مع الخوارزميات المتغيرة باستمرار.
في الأيام الأولى لـفيسبوك ويوتيوب، كان من الممكن بناء جمهور كبير بشكل عضوي. الآن، مع الخوارزميات المعقدة، أصبح الأمر أكثر صعوبة. المبدعون يجدون أنفسهم يضطرون لفهم ليس فقط كيفية إنشاء محتوى جيد، بل أيضًا كيفية تحسينه لتفضيلات الخوارزمية.
هذا أدى إلى ظاهرة تسمى تحسين المحتوى للخوارزمية بدلاً من الجمهور. بعض المبدعين يجدون أنفسهم يتخذون قرارات إبداعية ليس بناءً على ما يعتقدون أنه أفضل لجمهورهم، بل بناءً على ما يعتقدون أن الخوارزمية ستكافئه. هذا يمكن أن يؤدي إلى محتوى مُصمم لاستغلال الخوارزمية على حساب الجودة الحقيقية.
العديد من المبدعين يتحدثون عن القلق والضغط الناتج عن الاعتماد على الخوارزميات. في أي لحظة، يمكن أن يتغير تحديث في الخوارزمية ويدمر وصولهم العضوي، مما يؤثر على دخلهم وسبل عيشهم. هذا عدم اليقين يخلق بيئة مرهقة للمبدعين.
بعض المبدعين الناجحين طوروا استراتيجيات للتعامل مع هذا. إنهم يركزون على بناء علاقات حقيقية مع جمهورهم، وينوعون منصاتهم حتى لا يعتمدوا على واحدة فقط، ويحتفظون بقوائم بريدية أو مجتمعات خاصة للتواصل المباشر مع متابعيهم خارج نطاق الخوارزميات.
هناك أيضًا نقاش حول ما إذا كانت الخوارزميات تفضل أنواعًا معينة من المحتوى على حساب أخرى. المحتوى الترفيهي القصير يميل للحصول على أداء أفضل من المحتوى التعليمي العميق. الفيديوهات تتفوق على المقالات المكتوبة. هذا يثير أسئلة حول ما إذا كانت الخوارزميات تشجع على نوع معين من الثقافة الرقمية على حساب التنوع والعمق.
مع ذلك، الخوارزميات أيضًا فتحت فرصًا جديدة للمبدعين. منصات مثل تيك توك، بخوارزميتها التي تعطي فرصًا حتى للحسابات الجديدة، سمحت للعديد من المبدعين ببناء جماهير ضخمة في وقت قصير، وهو شيء كان سيستغرق سنوات على منصات أقدم.
المستقبل قد يشهد تطور نماذج جديدة حيث يكون للمبدعين سيطرة أكبر. منصات مثل سابستاك وباتريون تسمح للمبدعين بالتواصل المباشر مع جمهورهم مقابل اشتراكات، متجاوزين بذلك الخوارزميات تمامًا. هذا النموذج يعطي المبدعين استقلالية أكبر، لكنه يتطلب أيضًا المزيد من الجهد في بناء والحفاظ على العلاقات مع الجمهور.
الخلاصة والتأمل النهائي
خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا الرقمية. إنها تشكل ما نراه، ما نعرفه، وحتى كيف نفكر عن العالم من حولنا. هذه القوة الهائلة تأتي مع مسؤوليات كبيرة، ليس فقط على الشركات التي تطور هذه الخوارزميات، بل أيضًا علينا كمستخدمين.
فهم كيفية عمل هذه الخوارزميات هو الخطوة الأولى نحو استخدام أكثر وعيًا وحذرًا لوسائل التواصل الاجتماعي. عندما نفهم أننا لا نرى تمثيلًا محايدًا أو كاملاً للواقع، بل صورة مُنتقاة بعناية لتعظيم انخراطنا، يمكننا أن نتعامل مع هذا المحتوى بنظرة أكثر نقدية.
وسائل التواصل الاجتماعي ليست شرًا بطبيعتها. إنها أدوات قوية يمكن استخدامها للتواصل، التعلم، الإبداع، وحتى التغيير الاجتماعي. لكن مثل أي أداة قوية، كيفية استخدامها هي ما يحدد ما إذا كانت نافعة أم ضارة.
التحدي الذي نواجهه كمجتمع هو كيفية الحفاظ على الفوائد الإيجابية لهذه المنصات مع التخفيف من أضرارها. هذا يتطلب جهدًا من عدة جهات: الشركات التقنية يجب أن تكون أكثر مسؤولية وشفافية، الحكومات يجب أن تضع تنظيمات مناسبة تحمي المواطنين دون خنق الابتكار، والمستخدمون يجب أن يصبحوا أكثر وعيًا ونشاطًا في التحكم في تجاربهم الرقمية.
المستقبل سيشهد بالتأكيد المزيد من التطورات في هذا المجال. الذكاء الاصطناعي سيصبح أكثر تطورًا، الخوارزميات ستصبح أفضل في فهم تفضيلاتنا، والتخصيص سيصل إلى مستويات لم نرها من قبل. السؤال هو: كيف نضمن أن هذه التطورات تخدم مصالحنا الحقيقية كبشر، وليس فقط أهداف الشركات في تعظيم الأرباح؟
في النهاية، العلاقة بيننا وبين خوارزميات التواصل الاجتماعي هي علاقة معقدة ومتطورة. لا يوجد حل بسيط أو نهج واحد يناسب الجميع. ما نحتاجه هو نقاش مجتمعي مستمر حول القيم التي نريد أن تعكسها هذه التكنولوجيا، والتوازن الذي نسعى لتحقيقه بين الحرية والمسؤولية، بين التخصيص والخصوصية، بين الانخراط والصحة النفسية.
الأمر يعود في النهاية إلى كل واحد منا. كل مرة نفتح فيها أحد هذه التطبيقات، لدينا خيار: هل نستخدمه بوعي وهدف، أم ندع الخوارزمية تقودنا في رحلة لا نهاية لها من المحتوى المُصمم لإبقائنا مدمنين؟
الوعي هو القوة. والآن، بعد هذه الرحلة العميقة في عالم خوارزميات التواصل الاجتماعي، أنت مسلح بهذا الوعي. استخدمه بحكمة، وشاركه مع الآخرين. لأن التغيير الحقيقي يبدأ عندما نفهم جميعًا كيف تعمل الأنظمة التي تشكل حياتنا الرقمية اليومية.
